عبر ملايين السنين، حملت الرياح كل عام غبار الصحراء ونقلته عبر المحيط الأطلسي، ليستقر فوق غابات الأمازون المطيرة، ليمد الأشجار بمادة الفوسفور التي تغلسها الأمطار الغزيرة وتخضب بها تربة الغابات. وعلى مدار 55 مليون عام شاركت غابات الأمازون في دورة الحياة الحيوية. ثم في أزمنة قريبة نسبياً، تعلم البشر استخدام النار. والنار كانت أول اختراع بشري عظيم. فقد تعلم البشر الأوائل كيفية ترويض قوة النار، حين بدؤوا الطهي وصناعة الأواني الفخارية بها. وهناك أدلة على وجود مواقد ترجع إلى 400 ألف عام في جنوب أفريقيا. فقد استخدم البشر النار في صناعة الأدوات والحفاظ على حياتهم. لكن البشر أدركوا دوماً قدرة النار على تدميرنا أيضاً. وخلق البشر أساطير عن آلهة ترسل بنيران حارقة من السماء بسبب غضبها على البشر. وانتشرت أساطير أيضاً عن آثام البشر إذا ثار بركان وغطى بلدة بالحمم. لكن الآن لا توجد أساطير، فالحرائق في الأمازون تستعر وسببها أفعال البشر. وإذا التهمت النيران الغابات فلن نستطيع استعادتها أبداً.
أدغال الأمازون غنية للغاية بالتنوع الحيوي، وأشجارها تساهم بنسبة 6% من الأوكسجين الذي ينتجه الكوكب. والأمازون أكبر غابة مطيرة على الكوكب، فهي تترامى عبر ثلاثة ملايين ميل مربع، وتضم مليارات الأشجار وما يزيد على 16 ألفاً من الأحياء المتنوعة. والحرائق تندلع كل عام في الأمازون، لكنها على خلاف النيران البرية التي تشبهها، فهذه النيران ليس سببها ارتفاع حرارة الكوكب، بل البشر هم من أضرموا هذه النيران بغرض استغلال الأرض، بغرض جني المال. وصور هذه الغابات وهي مشتعله وترتفع منها سحب الدخان القاتمة، تدفع إلى تأمل كئيب. فقد كتب عالم الفضاء لوكا بارميتانو تغريدة على تويتر، بعد أن رأي النيران من محطة الفضاء الدولية، يقول «الدخان يمكن رؤيته من ارتفاع آلاف الكيلومترات». وغرد إيريك هولتهاوس، الكاتب المتخصص في شؤون المناخ، على تويتر يقول: «هذه الحرائق جريمة ضد كوكبنا».
لكننا ما زلنا لا نبالي، فهذه الحرائق في الأمازون حظيت بتغطية إعلامية أقل من الحريق الذي أصاب كاتدرائية نوتردام في فرنسا في ربيع هذا العام، على سبيل المثال. فقد ذكرت منظمة «ميديا ماترز» أن حريق كاتدرائية نوتردام التاريخية حظي بتغطية صحفية أكثر 15 مرة، من تلك التي حظيت بها حرائق الغابات المطيرة.
ويوم الاثنين الماضي، وافق زعماء الدول الصناعية السبع الكبرى على تمويل إجراءات لمكافحة الحرائق في الأمازون بميزانية تبلغ 20 مليون دولار. بينما نجد أن مسعى معالجة آثار حريق نوتردام جمع مليار يورور في غضون أيام. ربما تكون نوتردام مكاناً من السهل التحسر عليه لأنها دار عبادة من صنع الإنسان. لكن غابات الأمازون مساحة أرض مترامية الأطراف وكثيفة الأشجار وتطورت عبر ملايين السنين، وهي مكان يقطنه سكان أصليون وبها نظام بيئي ثري. والأهم من هذا أنه مكان لن يتمكن كثيرون من الناس من رؤيته طوال حياتهم. لكن ربما يعكس تجاهلنا لكوارث مثل هذه ازدواجيتنا في القيام بأي شيء لمكافحة أزمة المناخ بصفة عامة.
النار أداة اجتماعية تدعونا للتحلق حولها وتجعلنا نشعر بالأمان. ونحن نبني المواقد في المنازل ونراقب ألسنة النيران ونستمع إلى صوت الأخشاب، بينما تلتهمها النيران. النار داعية إلى التأمل وقدرتنا على التحكم في القوة المبدعة والمدمرة للنيران يساعدنا في تطورنا كنوع.
والأسبوع الماضي، تصاعد كم هائل من الدخان من الحرائق لدرجة أسودت فيها أجزاء من السماء في البرازيل وبوليفيا. فقد تحول النهار إلى ليل بسبب الحرائق. والنار مثل معظم القوى المدمرة يمكنها أن تؤدي إلى تجدد. لكن ليس في هذه الحالة. فغابات الأمازون تحتفظ بنحو عشرة أعوام من إنتاج كوكبنا من ثاني أكسيد الكربون. وهذه هي الهبة الرئيسية للأشجار، فهي تقدم لنا الهواء الذي نتنفسه، وفي المقابل تقوم بدور البنوك التي تحتفظ بالكربون. إننا نبقيها حية وهي تساعدنا بدورها في الحفاظ على مراقبة النظام البيئي. إنه اتفاق أبرمناه معها منذ ملايين السنين، لكننا إذا قتلنا الكثير للغاية منها، فإن الدورة برمتها ستفسد. ولن تنبعث عنقاء من رماد هذه الحرائق، وما إن تختفي الأمازون فلن تعود. وعلينا أن نلاقي ما فعلناه. والأمازون هبة من الله، وليس أثراً من صنع الإنسان مثل نوتردام. ونحن نشاهد احتراقها حالياً.
يتعين علينا الحفاظ على الحياة البرية التي تمثل جانباً مهماً من كوكبنا. ففي هذه المناطق قيمة خاصة ويتعين أن نحافظ عليها. فقد كانت جين جودال، العالمة البريطانية المتخصصة في الرئيسيات، محقة حين قالت: «بعد 200 عام سينظر الناس إلى هذه الفترة بالذات، ويقولون لأنفسهم: كيف سمح هؤلاء الناس في ذاك الزمن أن تختفي كل هذه الكائنات الرائعة. هناك الكثير مما يستحق القتال من أجله». وإذا أرادنا أن نغير شيئاً في هذا العالم، فعلينا أن نركز اهتمامنا على حرائق الأمازون.
شانون ستيريون
صحفية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»